الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مطلب أصل الهدى والضلال من اللّه تعالى: واعلم أن هذه الآية تصرح بأن الضلال والهدى من اللّه وحده لا دخل للعبد فيهما، لأنه مقدر عليه في أصل الخلقة يؤيده قوله صلى اللّه عليه وسلم حينما قيل له ما فائدة العمل يا رسول اللّه؟ قال اعملوا فكل مسير لما خلق له.راجع تفسير أول سورة القلم المارة، وتفسير الآية 17 من سورة الأنعام في ج 2، والآية 41 من سورة الرعد في ج 3، وهذا ما يحله أهل السنة والجماعة خلافا للمعتزلة القائلين بخلافه، إذ لا دخل للاختيار فيما اختاره اللّه، تدبر.ولهذا البحث تفصيل في الآيتين 77 و78 من سورة النساء في ج 3 فراجعه، أما المصرّون على ضلالهم فهم هالكون لا محالة {فَلا تَذْهَبْ} بفتح التاء والهاء، وقريء بضم التاء وكسر الهاء، ونصب نفسك على المفعولية وعلى الأول رفعها على الفاعلية تدبر {نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ} فتكثر غمك على كفرهم وإهلاكهم يا سيد الرسل، دعهم فإنهم خلقوا أشرارا لعدم انتفاعهم بما وهبوا من العقل الذي أعطوه ليميّزوا فيه الخبيث من الطيب، ويخلصوا أنفسهم من ذلك ولهذا البحث صلة في الآية 12 من سورة الشعراء الآتية، وكلمة حسرات حال من نفس محمد صلى اللّه عليه وسلم إشارة إلى أنها كأنها صارت كلها حسرات لفرط تحسره عليهم وعليه قول جرير:الكلكل ما بين الترقوتين أو باطن الزور وهو من المحزم إلى ما يمس الأرض من الحيوان إذا ربض أو من الصدر، وعليه يكون العطف بيان والهواجر جمع هجر وهو نصف النهار عند الزوال.والمعنى أن مشي الإبل في ذلك الوقت لم يبق منها إلا كلاكلها وصدورها، وهذا ما ذهب إليه سيبويه في البيت، وقال المبرد إن الكلاكل والصدور تمييز محول عن الفاعل، أي حتى ذهب كلاكلها وصدورها وعليه قوله: ولكل وجهته، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ} الذي خلقهم أزلا {عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ} 8 قبل أن يصنعوه وعليم بما يصنعونه بعد وما هم صائرون إليه، وإنما أظهر صنعهم لخالقه ليعرفوه.وهذا آخر ما نزل في أبي جهل وإخوانه في هذه السورة.وقال الضحاك إن القسم الأخير منها نزل في عمر رضي اللّه عنه فهو الذي هداه اللّه والحق العموم فيهما وفيمن هو على شاكلتها إلى يوم القيمة، ثم ذكر شيئا من كمال قدرته فقال: .مطلب الفرق بين ميّت وميت وأن العزة من اللّه: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ} بالتشديد وقريء بالتخفيف وهما بمعنى واحد على المشهور.وقد خصص بعضهم المخفف بالميت حقيقة والمنقل والمائت بالذي لم يمت بعد، الذي على وشك الموت أي يكاد يموت، واستدل بقول القائل:وقول الآخر: والمعوّل على الأول.والإثارة خاصة بالرياح {فَأَحْيَيْنا بِهِ} أي الغيث الناشيء عن السحاب المثار، وعبر عن الميّت بقوله {الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها} بالنبات الناشيء عن هطول الغيث عليها {كَذلِكَ} مثل هذا الإحياء للأرض يكون {النُّشُورُ} 9 للأموات من البشر حين يقومون من قبورهم فكيف يجحدون البعث بعد أن شاهدوا ما هو من نوعه؟ روى ابن الجوزي عن أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول اللّه كيف يحيي اللّه الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ قال هل مررت بواد أهلك محلا، ثم مررت به يهتزّ خضرا؟ قلت نعم قال كذلك يحيي اللّه الموتى وتلك آيته في خلقه.قال تعالى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} فليطلبها من اللّه لا من غيره {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} فليعتزّ بطاعته من يربدها وليمتنع بمنعته لا بالأصنام التي يبتغي الكافرون الشرف بها، لأن الآية نزلت فيهم قال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} الآية 91 من سورة مريم الآتية وقال في حق قليلي الإيمان {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} الآية 138 من سورة النساء في ج 3 ولا ينافي هذا التأكيد قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} الآية 9 من سورة المنافقين في ج 3 لأنها للّه بالذات ولرسوله بواسطة قربه منه وللمؤمنين بواسطة قربهم من حضرة الرسول واتباعهم سنّته، ولهذه الإشارة أعيد الجار وكرر جاء في مجمع البيان أن أنسا رضي اللّه عنه روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عزّ الدارين فليطع العزيز»، ومن قدر فليطلبها من اللّه تعالى، فإن الطلب منه إنما يكون بالطاعة والانقياد.وقد تكون بالشجاعة والكرم والعلم، فهذه الثلاثة هي مصدر العزة، إلا أنه إذا لم يقصدها بتقوى اللّه فلا خير فيها، إذ تكون عزّة دنيوية موقتة مصيرها إلى الذلّ الدائم في الآخرة إذا لم تنزع منه في الدنيا.وجدير بأن ينزعها اللّه منه، فاذا نزعت يجتمع عليه ذلان، ولهذا قال تعالى قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} بجمع أنواعه صعودا حقيقا سرا كان أو جهرا قولا أو فعلا، لأن له جل شأنه تجسيد المعاني وكيفية صعوده من المتشابه المفوض تأويله إلى اللّه، وقدمنا ما يتعلق فيه عند تفسير الآية 30 من سورة ق المارة، وسنوضحه ونسهب البحث فيه في تفسير الآية 8 من آل عمران ج 3 إن شاء اللّه، وإن هذا الصعود على تأويل الخلف مجاز مرسل عن قبوله بعلاقة اللزوم، أو استعارة تشبيهية أي تشبيه القبول بالصعود، وعلى طريقة السلف صعود يعلم كيفية هو، وعلينا الإيمان به {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} إليه ويقبله جل شأنه، وأعاد بعض المفسرين ضمير يرفعه إلى الكلم الطيب، وضمير النصب الذي هو الهاء إلى العمل الصالح أي يرفع الكلم الطيب العمل الصالح.ومنهم من أعاد ضمير يرفعه إلى العمل الصالح، وضمير المفعول منه إلى الكلم الطيب وعليه يكون المعنى والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب وما جرينا عليه أولى.قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ} يعملونها قصدا لأن مكر لازم لا يتعدى إلا ضمن معنى القصد أو العمل أو الكسب {لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ} بسبب مكرهم ذلك {وَمَكْرُ أُولئِكَ} الماكرين {هُوَ يَبُورُ} 10 في الدنيا، ويبطل مفعوله مهما كان، وإذا كان كذلك ففي الآخرة فساد محقق، أما مكر اللّه فيهم فهو ثابت لا يزول، وقد مكر بهم إذ أخرجهم من مكة بواقعة بدر فأرداهم وطرحهم في قليب بدر وسيعذبهم في الآخرة عذابا عظيما.وأصل البوار فرط الكساد، قال صلى اللّه عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من بوار الأيّم» كالكيس هي من لا زوج لها بكرا أو ثيبا ومن لا مرأة له كذلك وما قيل إن هذه الآية نزلت في الذين اجتمعوا في دار الندوة لتداول المكر به صلى اللّه عليه وسلم من قتل أو حبس أو نفي، لا صحة له، لأنه لم يحن بعد وقت التداول فيها، لأنها وقعت قبل الهجرة في آخر نزول القسم المكي من القرآن كما سنبينه آخر سورة العنكبوت في ج 2 إن شاء اللّه والحق أن هذه الآية عامة في كل ماكر سيء، وسنبيّن تفصيل حادثة الندوة في تفسير الآية 30 من سورة الأنفال في ج 3 إن شاء اللّه إذ ذكر فيها هذه الحادثة صراحة، وقد ألمع إليها قبل وقوعها بثلاث سنين في سورة الإسراء الآتية في الآية 76 كما ستطلع إن شاء اللّه.ثم ذكر دليلا آخر على صحة البعث والنشور فقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ} أي خلق أصلكم آدم عليه السلام بدليل قوله: {مِنْ تُرابٍ ثُمَّ} خلقكم أنتم يا ذرية آدم {مِنْ نُطْفَةٍ} مكونة من ماءي الرجل والمرأة. .مطلب لكل حظّه من خلق آدم وأن العمر يزيد وينقص: وقد شمل ضمير خلقكم في هذه الآية ذرية آدم مع أنهم لم يخلقوا في التراب باعتبار ابتداء الخلق منه في ضمن خلق آدم خلقا إجماليا، لأن كلمتي مستقر ومستودع الواردة بعد قوله: {أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ} في الآية 98 من سورة الأنعام في ج 2، والملمع إليها في الآية 189 من سورة الأعراف المارة، تشعر بذلك، وعلى هذا يكون بطريق التسلسل لكل إنسان حظّ من خلق آدم كما سيأتي تفصيله هناك إن شاء اللّه {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجًا} ذكرانا وإناثا، وزوج بعضكم بعضا لتوالدوا فتكثروا فيباهي بكم الأمم وَ: اعلموا أيها الناس أنه {ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ} ما تحمله أو تسقطه قبل تمام أجله {إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} يمد في عمره ويطيله {وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} من سنين وشهور وأيام وساعات ودقائق وثوان ولحظات {إِلَّا فِي كِتابٍ} مدوّن مثبت عند اللّه في لوحه المحفوظ الحاوي على أعمال العباد وتقلّباتهم في أصغر من الذرة إلى ما شاء اللّه من الكبر {إِنَّ ذلِكَ} الذي تزعمونه أيها الناس من كتابة أعماركم وآجالكم وأحوالكم ومعرفة ما يزيد منها وما ينقص وما يبدل أو يغير منها جدا عليكم صعب، لا تتمكنون من إجرائه ولكنه {عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} 11 سهل لأن الكون بما فيه بمثابة شيء واحد عند اللّه القائل {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} الآية 38 من سورة لقمان في ج 2 واعلم أن زيادة العمر ونقصه يكون بالنسبة لأسباب مختلفة لا تعلم إلا عند وقوعها، وهي ثابتة عند اللّه فلا تكون إلا بعلمه وتقديره، مثلا جاء في الحديث الصحيح أن الصدقة تزيد في العمر وأن الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار، وقال كعب لو أن عمر رضي اللّه عنه دعا اللّه تعالى آخر أجله.أي لزاد له فيه لما يعلم من أنه مجاب الدعوة، وأن وجوده يعلي شرف الإسلام، إلا أن هذا لا يلزم منه تغيير التقدير الأزلي، لأن في تقديره تعالى تعليق أيضا، وإن كان ما في علمه الأزلي وقضائه المبرم لا يعتريه محو، فلو شاء لم يوفق المتصدق للتصدق وصلة الرحم وسائر الأعمال التي ورد في الأحاديث أنها تزيد في العمر، على أن الأجل ينقص شيئا فشيئا من حيث لا يحس به، لأن الإنسان لا يعلم أمده حتى يحسب ما مضى من عمره، وقيل في المعنى:والعادّ لها هو اللّه وسنوفي هذا البحث في تفسير الآية 39 من سورة الرعد في ج 3 إن شاء اللّه تعالى في بيان ما يمحوه اللّه من أعمال وأعمار العباد وأقوالهم وأرزاقهم وما يثبته، وأسباب ذلك ومستنداته.قال تعالى: {وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ} هنيء مريء يرطب القلب، ويشرح الصدر، وتستريح له الجوارح ويصلح للنبات كله {وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ} قريب إلى المرارة يحرق القلب، ويقطب الريق، وتعافه النفس، وتنفر منه، عديم الإرواء والإنبات، ضار غير نافع شربه للخلق والنبات، وحتى أنه يضر في مواد البناه، هذا مثل ضربه اللّه إلى المؤمن والكافر، من أنهما وإن اشتركا في بعض صفات الخلقة فإنهما لا يستويان عند اللّه وكل منهما نسبة ما شبه به {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} من أنواع حيواناته غضا جديدا خلقه لكم أيها الناس، وقد سماه اللّه لحما، والسمك بالعرف ليس بلحم ولهذا قال الفقهاء من حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا لا يحنث لعدم إطلاق اسم اللحم عليه عرفا، كما لو حلف لا يركب دابة فركب إنسانا لا يحنث مع أن الإنسان داخل في معنى الدواب لغة، قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ} الآية 13 من سورة الأنفال في ج 3 وقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية 57 منها أيضا إلا أنه لا يسمى دابة عرفا ولا يخفى أن الأيمان مبناها على العرف، لذلك لا يحنث، وقد سموه الآن اللحم الأبيض وأدخلوه مع الطيور لخفته، وقال مالك والنووي الحالف بالأول يحنث لظاهر الآية، والفتوى على الأول، لأن الحالف حينما يحلف على عدم أكل اللحم يتصور لحوم الأنعام فقط، كما أن الحالف في الركوب لا يتصور ركوب الإنسان بل ما يطلق عليه اسم دابة حقيقة {وَتَسْتَخْرِجُونَ} من البحرين المذكورين كما هو ظاهر العطف {حِلْيَةً تَلْبَسُونَها} فمن الملح اللؤلؤ والمرجان واليسر وغيرها، ومن الحلو الصدف وعظام السمك التي يصنع منها قبضات السيوف والخناجر وأزرة الألبسة وغيرها، وقد يوجد في بعض الصخور التي في مجاري المياه ماس، قال تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} الآية 22 من سورة الرحمن في ج 3، ولا يبعد أن يوجد شيء من ذلك في النهر العذب، لأنه قد يوجد في البحر الملح عيون عذبة تخرج فيه، فيكون منها اللؤلؤ، ومن هذا ما هو موجود الآن في البحرين حيث يوجد فمن البحر كما صرح به الشيخ محمد خليفة في تاريخه لجزيرة العرب في ص 240 عدة عيون ماء حلو يذهب إليها بالقوارب ويستقى منها كما ذكرناه في تفسير الآية 52 من سورة الفرقان المارة وقد أخبرني السيد كامل العاص الرجل الصالح الكريم من أهالي جباة الزيت التابعة لقضاء القنيطرة من أعمال دمشق إذ كنت فيها، أنه أثناء وجوده في أمريكا شاهد زمن سيره في البحر ماء حلوا منسابا فيه ويمتاز على ماء البحر بلونه فماء البحر في ذلك المكان يضرب إلى الزرقة بل إلى السواد لشدة عمقه، والماء الحلو المنساب فيه التابع منه يضرب إلى البياض، وهو رجل صادق واللّه لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير.وقال بعض المفسرين إن الحلية لا تكون إلا من الماء المالح، وأن ما جاء في آية الرحمن المارة هو على طريق التغليب وإسناد ما للبعض إلى الكل وهو غير وجيه لمخالفة ظاهر الآية وحملها على التأويل دون ضرورة، ولأنه لو فرض أنه لم يخرج من الماء الحلو إلا الصدف لكفى، لأنه حلية من وجه داخلة في قوله تعالى {تلبسونها} {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ} أي ماءي الحلو والمالح، كما هو مشاهد، فلا يقال إنها خاصة بالملح أيضا إلا أن الكبار العظام خاصة في البحر والصغار منها فيه وفي الأنهر {مَواخِرَ} تمخر أي تشق المياه شقا يجريها فيها مقبلة ومدبرة وذلك {لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} الربح بالتجارات وتزوروا البلدان الناثية والجزر وغيرها، ولتطلعوا على مصنوعات ربكم فيها {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 12 نعمه عليكم في ذلك كله.واعلموا أن هذا الإله العظيم {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ} يدخل أحدهما بالآخر حتى يصير أحدهما بقطرنا مزائدا على الآخر أربع ساعات وكسور بصورة تدريجية، فيبلغ النهار بالصيف أربعة عشرة ساعة ونصف تقريبا، والليل تسعة ونصف، وعلى العكس بالشتاء ثم يتساويان شيئا فشيئا، وهكذا بعيد الكرة أحدهما على الآخر إلى أن يأذن اللّه لهذا النظام البديع بالانقراض.وفي بعض الأقطار أكثر من قطرنا وأنقص حتى يبلغ كل منهما اثنين وعشرين ساعة تقريبا {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ} منهما {يَجْرِي} في محوره المخصوص ومسافته المقدرة له، وهكذا يستمران بسيرهما {لِأَجَلٍ مُسَمًّى} عند اللّه لا يعلم غيره {ذلِكُمُ} أيها الناس الإله العظيم القادر المبدع {رَبُّكُمْ} الحق لا البشر والملائكة ولا النجوم والحيوان ولا الجماد والأوثان فهو وحده {لَهُ الْمُلْكُ} يتصرف فيه كيف يشاء {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} من الآلهة {ما يَمْلِكُونَ} من هذا الملك وما فيه وفوقه وتحته {مِنْ قِطْمِيرٍ} 13 قدر لفافة النواة ولا أقل منه وإنما مثل به لأن كل تافه يقال له قطمير قال الشاعر: وهو على حد الذرة والنقير والفتيل وأف وما ضاهاها ونظير صور هذه الآية 29 من سورة لقمان في ج 2 والآية 27 من سورة آل عمران والآية 6 من سورة الحديد والآية 61 من سورة الحج في ج 3، وقدمنا في الآية 47 من سورة يس ما يتعلق بزيادة الليل والنهار وقصرهما بصورة مسهبة، قال تعالى مندّدا بأوثانهم {إِنْ تَدْعُوهُمْ} أيها المشركون {لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ} لأنها جماد {وَلَوْ سَمِعُوا} على سبيل الفرض والتقدير أو الذين من أهل السمع منهم {مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ} دعاءكم لأنهم عاجزون ومملوكون للّه الذي خلقكم وخلقهم، فكيف يقدرون على شيء مما في ملكه أو يشاركونه في شيء منه في هذه الدنيا، كلا لا يقدرون البتة {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ} ترونهم {يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} فيجحدونه ولا يعترضون به حيث يضع اللّه فيها قوة التكلم تبكيتا لعابديها، فتتبرأ منهم ومن عبادتهم {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} 14 يعني نفسه المقدسة جلت وعظمت، أي لا يخبرك أيها السامع بحقيقة الأمر مثلي، أنا اللّه الذي لا يخفى عليّ شيء في سمواتي وأرضي، ومن أصدق من اللّه راجع الآية 56 من سورة الفرقان المارة {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ} في جميع أموركم الظّاهرة والباطنة وأنتم محتاجون إليه فيها {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ} عنكم وعن أعمالكم وعن كل ما في كونه {الْحَمِيدُ} 15 المستحق الحمد بإنعامه عليكم، فاحمدوه واشكروه وحسن ذكر الحميد بعد الغنى لمناسبة ذكره بعد الفقر إذ الغنيّ لا ينفع الفقير إلا إذا كان جوادا منعما، وهو كالتكميل لما قبله وعليه قول كعب الغنوي: وذلك الإله الغنى الحميد {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} أيها الناس فيفنيكم بلحظة واحدة {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} 16 غيركم بلحظة أيضا يعبدونه لا يشركون به شيئا {وَما ذلِكَ} الإذهاب والإتيان {عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} 17 صعب أو ممتنع بل هين جدا.وفي هذه الآية إشارة إلى أن ما يأتي به من الخلق أبدع مما هو موجود الآن وهو كذلك لأن القادر المبدع لا يعجزه شيء ولا يرد على هذا قول حجة الإسلام ليس في الإمكان أبدع مما كان لان ذلك على فرض وقوعه داخل في حيز ما كان وهو مع هذا العالم كبعض أجزاء هذا العالم مع بعض أو بأن الأبدعية في كلام ذلك الحجة بمعنى آخر تصورة بفكره الثاقب ولم يبيّنه أو لم نقف عليه ولسنا من رجاله لنرد عليه، وسيأتي توضيح أكثر لتفسير هذه الآية عند تفسير نظيرتها الآية 27 من سورة إبراهيم في ج 2.
|